وهج التاريخ
مرحبا بكم في منتداكم فراتنا الجميل ونتمنى منكم المشاركة واغناء المنتدى بآراءكم وأفكاركم

مع تحيات أسرة الجميل

عزيزي الزائر يشرفنا الأنضمام الى اسرة فراتنا الجميل

(- تحسين الأشرم -)
وهج التاريخ
مرحبا بكم في منتداكم فراتنا الجميل ونتمنى منكم المشاركة واغناء المنتدى بآراءكم وأفكاركم

مع تحيات أسرة الجميل

عزيزي الزائر يشرفنا الأنضمام الى اسرة فراتنا الجميل

(- تحسين الأشرم -)
وهج التاريخ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

وهج التاريخ


 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!

اذهب الى الأسفل 
+2
إم ناصر
بسمة الجزائر
6 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
بسمة الجزائر
فراتي نشط
فراتي نشط



عدد الرسائل : 970
تاريخ الميلاد : 09/01/1977
العمر : 47
السٌّمعَة : 14

هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!  Empty
مُساهمةموضوع: هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!    هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!  Emptyفبراير 1st 2012, 01:27



هكذا فلتكن العدالة"

أقدم اليوم رمزًا من رموز العدالة على مر تاريخ الإنسان، أقدمه لكم غضًّا طريًّا ،
وأنا أشعر بالحرج ، لأنني مهما قلت ، فسوف أقصر في سيرته وترجمته، إنه حياة لضمير الأجيال،
إنه رمز لعدالة الإسلام.
كان واليًا تحبه الرعية كأجل ما تحب الرعية الولاة، لأنه لم يفعل ما يدعو إلى السخط والبغض،
لأنه كان يتقي الله في أمة محمد صلى الله عليه وسلم،
لأنه جعل القرآن قائده، والتقوى رائده،
لأنه كان يُعظِّم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويحب الفقراء والمساكين.
من هو هذا العادل ؟ أظن أني لا أضيف جديداً هذا اليوم إذا حدثتكم عنه ، وهل يخفى القمر ؟
إنه مجدد القرن الأول ، إنه الرجل الذي لمّا مات ، أمست مدن الإسلام في مناحة وفي مصيبة وعزاء .
والمسلمون مصابُهم متفرق ... في كل بيت رنةٌ وزفير
إنه الرجل الذي قال فيه الإمام أحمد : ليس أحد من التابعين قوله حجة إلا عمر بن عبد العزيز .
السلام عليك يا عمر بن عبد العزيز، وبيننا وبينك أكثر من ثلاثة عشر قرناً ،
السلام عليك اليوم وغدًا وفي المستقبل ، وحتى نلقى الله بك ، وأنت رمز من رموز العدالة.
إخوتي :
أنا لن أسرد حياته الشخصية ، ولن أقدم ترجمة عن تفصيلات وجزئيات ما مرّ به، لكنني أَصِلُ بكم إلى سُدَّة الحكم يوم أن تولى عمر،
كان شابًّا مترفًا من بني مروان، يغيِّر في اليوم الواحد ثيابه أكثر من ثلاث مرات، كان إذا مر بسكة شمَّ الناسُ طيبَه، كان يسكن قصرًا في المدينة،
وعند والده قصر في الشام، وقصر في مصر، وقصر في العراق، وقصر في اليمن،
وأراد الله لأمة محمد عليه الصلاة والسلام خيرًا، فتولى الخلافة.
حضر وفاة الخليفة ، فرأى كيف يصرع الموت الولاةَ ، وكيف يعقِر الموت الملوك، وكيف يشدخ الموت رؤوس العظماء .
رأى سليمان بن عبد الملك وهو منطرح على سرير المُلك كالطفل :
{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} الأنعام : 94 .
كان سليمان يعصره الموت عصرًا، وكان منطرحًا بين يدي ربه يقول :
يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه ،
وكان يصرخ قائلاً :
أفلح من كان له كِبارُ إن بَنيَّ فتيةٌ صغار
يقول : يا ليت أبنائي كباراً، يتولون الملك بعدي . فقد أفلح من كان أبنائه كبارًا .
قال عمر بن عبد العزيز أمامه :
لا والله { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} الأعلى : 14-15 .
ومات سليمان، وكتب الخلافة لرجل في كتاب سرِّيّ، لم يُعلَم بعد .
ولما وارى الناس جثمان سليمان، قام رجاء بن حَيْوة أحد علماء المسلمين، فأعلن على المنبر أن خليفة المسلمين، وأمير المؤمنين للعالَم الإسلامي، عمر بن عبد العزيز.
فلما تلقى عمر بن عبد العزيز خبر توليته، انصدع قلبه من البكاء ، وهو في الصف الأول ،
فأقامه العلماء على المنبر وهو يرتجف، ويرتعد، وأوقفوه أمام الناس، فأتى ليتحدث فما استطاع أن يتكلم من البكاء ،
قال لهم : بيعتكم بأعناقكم، لا أريد خلافتكم،
فبكى الناس وقالوا: لا نريد إلا أنت، فاندفع يتحدث، فذكر الموت، وذكر لقاء الله، وذكر مصارع الغابرين، حتى بكى من بالمسجد.
يقول رجاء بن حيوة : والله لقد كنت أنظر إلى جدران مسجد بني أمية ونحن نبكي، هل تبكي معنا !!
ثم نزل، فقربوا له المَراكب والموكب كما كان يفعل بسلفه ،
قال : لا، إنما أنا رجل من المسلمين، غير أني أكثر المسلمين حِملاً وعبئاً ومسئولية أمام الله، قربوا لي بغلتي فحسب،
فركب بغلته، وانطلق إلى البيت، فنزل من قصره، وتصدق بأثاثه ومتاعه على فقراء المسلمين.
نزل عمر بن عبد العزيز في غرفة في دمشق أمام الناس؛ ليكون قريبًا من المساكين والفقراء والأرامل ،
ثم استدعى زوجته فاطمة، بنت الخلفاء، أخت الخلفاء، زوجة الخليفة ،
فقال لها : يا فاطمة، إني قد وليت أمر أمة محمد عليه الصلاة والسلام – وتعلمون أن الخارطة التي كان يحكمها عمر، تمتد من السند شرقًا إلى الرباط غربًا، ومن تركستان شمالاً، إلى جنوب أفريقيا جنوبًا –
قال : فإن كنت تريدين الله والدار الآخرة، فسلّمي حُليّك وذهبك إلى بيت المال، وإن كنت تريدين الدنيا، فتعالي أمتعك متاعاً حسنًا، واذهبي إلى بيت أبيك،
قالت: لا والله، الحياة حياتُك، والموت موتُك، وسلّمت متاعها وحليّها وذهبها، فرفَعَه إلى ميزانية المسلمين.
ونام القيلولة في اليوم الأول، فأتاه ابنه الصالح عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز،
فقال: يا أبتاه ، تنام وقد وليت أمر أمة محمد ، فيهم الفقير والجائع والمسكين والأرملة، كلهم يسألونك يوم القيامة ،
فبكى عمر واستيقظ . وتوفي ابنه هذا قبل أن يكمل العشرين.
عاش عمر – رضي الله عنه – عيشة الفقراء ، كان يأتدم خبز الشعير في الزيت، وربما أفطر في الصباح بحفنة من الزبيب، ويقول لأطفاله : هذا خير من نار جهنم .
يذهب فيصلي بالمسلمين، فكان أول مرسوم اتخذه، عزل الوزراء الخونة الظلمة الغشمة، الذين كانوا في عهد سليمان ،
استدعاهم أمامه وقال لشريك بن عرضاء :
اغرُب عني يا ظالم رأيتك تُجلس الناس في الشمس، وتجلد أبشارهم بالسياط، وتُجوّعهم وأنت في الخيام والإستبرق .
واستدعى الآخر وقال :
اغرب عني والله لا تلي لي ولاية، رأيتك تقدم دماء المسلمين لسليمان بن عبد الملك .
ثم عيّن وزراءه وأمراءه من علماء وصُلَحاء المسلمين.
وكتب إلى علماء العالم الإسلامي رسالة ، إلى من ؟
إلى الحسن البصري ، ومُطرّف بن عبد الله بن الشّخِّير ، وسالم بن عبد الله بن عمر ؛
أن اكتبوا لي كتبًا انصحوني وعِظوني، قبل أن ألقى الله ظالماً، فكتبوا له رسائل، تتقطع منها القلوب، وتشيب لها الرؤوس.
كتب له الحسن : يا أمير المؤمنين صم يومك ، لتفطر غدًا .
وقال سالم : يا أمير المؤمنين، إنك آخر خليفة تولَّى، وسوف تموت كما مات من قبلك. وخوّفوه ووعدوه.
وجعل سُمَّاره سبعة من العلماء، يسمرون معه بعد صلاة العشاء، واشترط عليهم ثلاثة شروط :
الشرط الأول : ألا يُغتاب مسلم .
الشرط الثاني : ألا يُقدِّموا له شِكاية في مسلم، التقارير المخزية في أعراض المسلمين، وفي كلمات المسلمين، ومجالس المسلمين، أبى أن تُعرض عليه أو تُرفع إليه.
الشرط الثالث : ألا يمزح في مجلسه، إنما يذكرون الآخرة وما قرب منها، فكان يقوم معهم، وهم يبكون، كأنهم قاموا عن جنازة.
ثم صعد عمر – رضي الله عنه – المنبر وأعلن سياسة حكومته الجديدة، وأتى بمزاحم مولاه، وهو مولىً أسود، قوي البُنية، يخاف الله.
قال : يا مزاحم، والله إني أحبك في الله ، أنت وزيري .
قال : ولِم يا أمير المؤمنين ،
قال : رأيتك يومًا من الأيام تصلي وحدك في الصحراء صلاة الضحى ، لا يراك إلا الله .
ورأيتك يا مزاحم تحب القرآن ، فكن معي ،
قال : أنا معك .
فاعتلى عمر بن عبد العزيز المنبر ، وكان بيده دفتر، كتب فيه معلومات ضرورية ، عن خطوط عرضة لدولته وخلافته ، ووقف مزاحم بالسيف ،
والأمراء الظلمة من بني أمية، الذين أخذوا أراضي الناس، وبيوت الناس، وقصور الناس، وضربوا وجوه الناس، وآذوا الناس، جعلهم في الصف الأول .
قال عمر : أولاً : هذا كتاب عبد الملك بن مروان، بإقطاعية الأرض لكم يا بني مروان، وقد صدق الله، وكذب عبد الملك بن مروان، ثم قطع الصك ،
ثم قال : ائتني بصكوك بني أمية، فسلم له صكاً للعباس بن الوليد بن عبد الملك، أخذ أرضاً شاسعة، يمكن أن تكون أرض مدينة، فأخذه بالمقص فقصّه كله وأتلفه ،
وقال : لا حقَّ لك في ديار المسلمين ،
قال : يا أمير المؤمنين أعد لي أرضي وإلا لي ولك شعري – يتهدده –
قال : والله إن لم تسكت ليأتيني مزاحم برأسك الآن ،
فسكت ، ثم أتى إلى الصكوك طيلة صلاة الجمعة ، يُشققها طولاً وعرضاً، لأنها صكوك بُنيت على الظلم .
واستمر به الحال على هذا المستوى، واستدعى مهاجرًا أحد الوزراء ،
وقال : كن بجانبي، فإذا رأيتَني ظلمت مسلمًا أو انتهكت عرضاً، أو شتمت مؤمناً، فخذ بتلابيب ثوبي وقل : اتق الله يا عمر .
فكان وزيره مهاجر يهزه دائمًا، ويقول : اتق الله يا عمر.
أما حياته الشخصية فحدّث ولا حرج، كان إذا صلى العشاء دخل مصلاه، فيستقبل القبلة، ويجلس على البطحاء، ويُمرّغ وجهه في التراب، ويبكي حتى الصباح.
قالوا لامرأته فاطمة بعد أن توفي : نسألك بالله، أن تصِفي عمر ؟
قالت : والله ما كان ينام الليل، والله لقد اقتربت منه ليلة فوجدته يبكي وينتفض، كما ينتفض العصفور بلَّله القطْر ،
قلت: مالك يا أمير المؤمنين ؟
قال : مالي !! توليت أمر أمة محمد ، وفيهم الضعيف المجهد ، والفقير المنكوب ، والمسكين الجائع ، والأرملة ، ثم لا أبكي ، سوف يسألني الله يوم القيامة عنهم جميعاً، فكيف أُجيب ؟!
عليك سلامُ اللـه وقفًا فإننـي ... رأيت الكريم الحرَّ ليس له عُمْر
ثوى طاهر الأردان لم تبْقَ بقعــةٌ غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبرُ
إخوتي :
إذا لم نخرج بعمر بن عبد العزيز أمام العالَم ، فبمن نخرج ؟ وما النموذج الذي نُقدمه إذا لم نُقدّم هؤلاء ؟
أتى إلى بيت المال يزوره، فشم رائحة طيب، فسدّ أنفه،
قالوا : مالك ؟
قال : أخشى أن يسألني الله – عز وجل – يوم القيامة لم شممت طيب المسلمين في بيت المال .
إلى هذه الدرجة، إلى هذا المستوى، إلى هذا العُمق.
دخل عليه أضياف في الليل، فانطفأ السراج في غرفته، فقام يصلحه ،
فقالوا: يا أمير المؤمنين : اجلس ،
قال: لا ، فأصلح السراج ، وعاد مكانه،
وقال : قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ، وجلست وأنا عمر بن عبد العزيز.
كان عالماً مجتهداً يُفتي للمسلمين فتح الله عليه من فتوحاته، لأنه يتقي ربه، ويعدل في رعيته.
خرج في نزهة يومًا، فمروا به على حديقة من حدائق دمشق العاصمة، فوقف يبكي على سور الحديقة،
قالوا: مالك ؟
قال : هذا نعيم منقطع، فكيف بجنة عرضها السماوات والأرض، أوّاه، لا حُرمنا الجنة.
ومر يوم العيد، بعد أن صلى بالمسلمين، وهو على بغلته، مرَّ بالمقابر،
فقال : انتظروني قليلاً – ذكر ذلك ابن كثير – انتظروني قليلاً فوقف الوزراء ، والصلحاء، والأمراء، والناس، ونزل عن بغلته، فوقف على المقبرة ، التي فيها الخلفاء من بني أمية، والتي فيها الأغنياء، وقال:
أتيت القب،ورَ فنـاديتهـا ... أيـن المعظّـَم والمحتقـــــــــر
تفانوا جميعًا فمـا مخبـرٌ ... وماتوا جميعًا ومات الخبـــر
فيا سائلي عن أناس مضَوْا ... أمـالَك فيما مضـى معتبر
ثم وقف على طرف المقبرة وقال : يا موت، ماذا فعلت بالأحبة ؟ يا موت ماذا فعلت بالأحبة ؟
ثم بكى وجلس ينتحب، حتى كادت أضلاعه أن تختلف، ثم عاد إلى الناس،
وقال : أتدرون ماذا قال الموت ؟
قالوا : ما ندري .
قال : يقول بدأت بالحدَقتين ، وأكلت العينين ، وفصَلت الكفين من الساعدين ، والساعدين من العضدين ، والعضدين من الكتفين ، وفصلت القدمين من الساقين ، والساقين من الركبتين ، والركبتين من الفخذين .
باتوا على قُلَلِ الآمال تحرسهم ... غُلبُ الرجالِ فما أغنتهم القُلَلُ
واستُنْزِلوا بعد عزٍّ من مساكنهـــم إلى مقابرهم يا بئس ما نزلوا
وقف يومًا من الأيام وقال : والله لا أعلم ظالماً إلا أنصفتكم منه، ولا يحول بيني وبين الظالم أحد، حتى آخُذ الحق منه، ولو كان ابني .
قال الناس: صدقت.
كان يدور في ظلام الليل يسأل : هل من مريض فأعوده، هل من أرملة فأقوم عليها، هل من جائع فأطعمه.
يقول أحد ولاته : ذهبت إلى إفريقيا، أوزع الزكاة، فو الله ما وجدت فقيراً في طريقي،
لقد أغنى عمر بن عبد العزيز الفقراء، فما بقي فقير، ولا جائع، ولا مَدين، ولا شاب أعزب !!
كان يُصلي الجمعة، فيقوم نوّابه، معهم دفاتر بأسماء الناس، فيوزع الأُعطيات على طلبة العلم، واليتامى، والمساكين، والمرضى، والأرامل، والمحتاجين، والمعوزين،
فيهتفون بعد الصلاة : اللهم اسق عمر بن عبد العزيز من سلسبيل الجنة ،
ونحن نقول: اللهم اسق عمر بن عبد العزيز من سلسبيل الجنة.
ضَمُر جسمه بعد الخلافة، أصبح وجهه أصفر شاحباً ،
يقول أحد العلماء : والله لقد رأيت عمر بن عبد العزيز وهو والٍ على المدينة المنورة، فرأيته بضًّا أبيض سمينًا، فلما ولي الخلافة، رأيته يطوف وقد رفع الإحرام عن جنبه، ووالله لقد كنت أعد عظام ساعديه من الضعف والضمور.
دخل عليه زياد المولى أحد العلماء، فرأى وجهه شاحبًا باكيًا، أثر الدموع في أجفانه، أثر الجوع والفقر على خديه، ثوبه مُرقّع ،
قال : يا أمير المؤمنين: أين القصور التي كنت تسكنها، والملابس التي كنت تلبسها، والنعيم الذي كنت تعيشه ،
قال : هيهات يا زياد، ذهب ذلك، لَعلّي تغيرت عليك .
قال : أي والله ،
قال : كيف بي لو رأيتني بعد ثلاث ليالٍ، إذا طُرحت في القبر، وقطعت أكفاني، وسار الدود على خدي، وأكل عيني، ووقع التراب على أنفي، والله لقد كنت أشدّ تغيرًا مما تراه !!
وقف في يوم عيد الفطر يستقبل المسلمين، ويرحب بالمؤمنين، وإذا بكوكبة من الشعراء عند باب الغرفة، يريدون الدخول ،
قال له البوّاب : شعراء يريدون الدخول عليك على عادتهم السابقة عند الخلفاء ، يدخل أحدهم بقصيدة خاطئة كاذبة ، يمدح نفاقًا ، يثني بكلام مجاملة ، فيصف الخليفة بأنه محرر الشعب ، وبأنه كافل الأيتام، وبأنه أستاذ المشاريع، وبأنه درة الأفق .
فقال للبواب : من بالباب ؟
قال : الفرزدق .
قال : والله لا يدخل عليَّ عدو الله وقد سمعته يتغزل في بنات المسلمين . ومن الآخر؟
قال : الآخر نصيب .
قال : ليس له عندي نصيب ولا يدخل علي ؛ سمعته يفتري في شعره .
ثم قال : ومن الثالث ؟
قال : الأخطل .
قال : حرام على ابن النصرانية أن يطا بساطي .
والرابع : قال : الرابع عمر بن أبي ربيعة ،
قال : أما آن له أن يتوب إلى الله، والله لا ترى عيني وجهه .
ومن الخامس ؟ قال : جرير .
قال : إن كان ولا بد، فأدخل جريرًا، فلما دخل قال له :
فما كعبُ ابن مامةَ وابن سعدي بأفضل منك يا عمر الجوادا
تعوّد صـالح الأخـلاق إنــــــــي رأيتُ المرء يلزم ما استعادا
قال عمر: اتق الله يا جرير، لا تكذب في شعرك، فإن الله سوف يسألك عن هذا.
قال يا أمير المؤمنين : أعطني ،
قال: ما وجدت للشعراء في كتاب الله عطاء ، إن كنت فقيرًا أو مسكينًا أو ابن سبيل أعطيناك .
إنها مدرسة الجدية، والنصح، والعمق، وعدم الضحك على الذقون؛ أعرابي يدخل يمدح، ويأخذ الدنيا بما فيها، وينسى الفقراء، يموتون جوعًا وعُريًا على الأرصفة !!
شاعر كذاب متملّق، يمدح بشيء من الهراء، يأخذ من المال ما يغطي رأسه، والأطفال في حجور أمهاتهم يتضوّرون جوعًا، لا يفعل ذلك عمر ، إنه عاقل، إنه جهبذ، إنه عبقري .
قال جرير: أنا فقير ،
قال : خذ مائتي درهم من مالي، ليس من بيت مال المسلمين .
قال جرير : فو الله لقد كان هذا المال أبرك مال رأيته في الحياة .
وأتت سكرات الموت، أتدرون كم تولى الخلافة ؟ سنتين ، لكنها عند الله – عز وجل – أفضل من قرنين ،
نعرف أناسًا في التاريخ، تولى الواحد منهم خمسين سنة، فلما مات لعنه المسلمون، وإن بعضهم تولى أربعين سنة، فلما مات بشّر بعض المسلمين بعضهم بموته،
فليس العمر بالكثرة ، العمر بالبركة، تولى سنتين، فأزال الظلم، فتح بابه، فتح صدره، فتح عينه، فتح قلبه ففتح الله عليه.
حضرته سكرات الموت، فجمع أبناءه السبعة أو الثمانية، فلما رآهم بكى واستعبر، ودمعت عيناه،
ثم قال لأبنائه : والله ما خلّفت لكم من الدنيا شيئًا – عنده غرفة واحدة –
إن كنتم صالحين فالله يتولى الصالحين، وإن كنتم فجَرة فلن أُعينكم بمالي على الفجور .
تعالوا ، فاقتربوا فقبّلَهم واحدًا واحدًا، ودعا لهم، وكأن قلبه يُسَلُّ من بين جوارحه، وخرج أبناؤه .
قال أهل التاريخ : أغفى التاريخ إغفاءة عن أبناء عمر بن عبد العزيز السبعة أو الثمانية، وقد خلّف لكل واحد منهم اثني عشر درهمًا فقط، وأما هشام بن عبد الملك الخليفة ، فخلّف لكل ابن من أبنائه مائة ألف دينار، وبعد عشرين سنة، أصبح أبناء عمر بن عبد العزيز ، يُسرجون الخيول في سبيل الله، منفقين متصدقين من كثرة أموالهم، وأبناء هشام بن عبد الملك في عهد أبي جعفر المنصور، يقفون في مسجد دار السلام، يقولون: من مال الله يا عباد الله !
إنَّ من حفظ الله حفظه الله، ومن ضيّع الله ضيّعه الله، هذه سنة من سنن الله – عز وجل – ثم أمر عمر أبناءه بالخروج فخرج أطفاله أمام عينيه، ينظر إليهم، ومع كل طفل يخرج، قطَرَات من الدموع تسقط، وقال: أَدخِلوا أمّكم عليَّ، فدخلت امرأته، فودعها، وسألها أن تتقي الله، وأن تبقى على الزهد وعلى الفقر، لتكون زوجته في الجنة ،
ثم قال : يا فاطمة، إني أرى نفَرًا، ليسوا بإنس ولا جن، أظنهم ملائكة ، فاخرجي عنّي ،
فخرجت زوجته، وأغلقت الباب، ودخل الملائكة على عمر بن عبد العزيز مبشرة :
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} فصلت : 30-32 .
مات عمر، وفتحت زوجته الباب فوجدته في عالم الآخرة، سلام عليك :
{يا أيتها النفسُ المطمئنة ارجعي إلى ربِّك راضيةً مَرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي} الفجر : 27- 30 .
"هكذا فلتكن العدالة".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
إم ناصر

إم ناصر


عدد الرسائل : 129
تاريخ الميلاد : 01/01/1979
العمر : 45
السٌّمعَة : 6

هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!  Empty
مُساهمةموضوع: رد: هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!    هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!  Emptyفبراير 1st 2012, 04:38

الأخت بسمة موضوع جميل ومهما تحدثنا عن خامس الخلفاء الراشدين فلن نصف عدالته التي تغنى بها الشعراء في عصره وحكت عنها الكتب والمجلدات كيف لا وجدّه الفاروق الذي ملأ أرجاء الكون في عصره عدلا"
جزاكي الله كل خير وتقبلي مروري

هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!  PSQ50346
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد داود شخلها
فراتي نشط
فراتي نشط
محمد داود شخلها


عدد الرسائل : 672
تاريخ الميلاد : 05/02/1972
العمر : 52
السٌّمعَة : 6

هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!  Empty
مُساهمةموضوع: رد: هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!    هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!  Emptyفبراير 1st 2012, 06:12

من روائع عمر بن بن عبدالعزيز في الاستعداد للآخرة
من كان حين تصيب الشمس جبهته * أو الغبار يخاف الشين والشعثا

ويألف الظل كي تبقى بشاشته * فسوف يسكن يوما راغما جدثا

في قعر مظلمة غبراء موحشة * يطيل في قعرها تحت الثرى اللبثا

تجهزي بجهاز تبلغين به * يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صقر قديم
فراتي نشط
فراتي نشط
صقر قديم


عدد الرسائل : 497
تاريخ الميلاد : 21/03/1962
العمر : 62
السٌّمعَة : 1

هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!  Empty
مُساهمةموضوع: رد: هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!    هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!  Emptyفبراير 1st 2012, 15:42

انا برأي
هذا الموضوع موضوع التميز

العدالة اساس الحكم والادارة
وهي الطريق الاوحد للنجاح في الدنيا والاخرة

المتألقة والمتميزة
الاستاذة
بسمة الجزائر
تقبلي مني المرور

صقر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شهد
فراتي نشط
فراتي نشط



عدد الرسائل : 259
تاريخ الميلاد : 25/10/1977
العمر : 46
السٌّمعَة : 6

هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!  Empty
مُساهمةموضوع: رد: هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!    هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!  Emptyفبراير 2nd 2012, 15:52




و من شدة ورعه، كان عمر بن عبد العزيز لا يحكم على أحد متعجلا مخافة أن يظلمه، بل يتروى ثلاثة أيام قبل أن يصدر الحكم على رعيته.
لم يحكم هذا الرجل الفذ طويلا، فقد كانت مدة خلافته على الأرجح عامين و خمسة أشهر، عرف الناس خلالها عدلا لم يعهدوه قط، كيف لا و قد كان بيت مال المسلمين يفيض بالخير و البركة و يكفي حاجيات الرعية و يزيد، إلى أن حانت المنية، و يطلب سيدنا عمر من زوجته فاطمة و غلامه أن يخرجا من الغرفة ، فيقفان عند الباب فإذا بهما يسمعانه يقول: مرحبا بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس و لا جان، ثم تلا الآية الكريمة:"تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" لتفيض روحه إلى بارئها.و في تلك الليلة أغار الذئب على الشاة فعلمت الرعاة أن الرجل الصالح قد مات.
رحمه الله تعالى رحمة واسعة و آتانا ورعه و عدله و حاكما يحكم مثله.

العزيزة بسمة الغالية


جزاك الله كل خير
وجعله في ميزان حسناتك

ونفعنا جميعا بما طرحت

شهد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تحسين الأشرم

تحسين الأشرم


عدد الرسائل : 1070
تاريخ الميلاد : 26/10/1964
العمر : 59
السٌّمعَة : 21

هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!  Empty
مُساهمةموضوع: رد: هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!    هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!  Emptyفبراير 3rd 2012, 17:38


أضافة لما ذكرت العزيزة بسمة

لما تولى الخليفة عمر بن عبدالعزيز الخلافة بعث إلى الحسن بن أبي الحسن البصري يسأله عن صفات الإمام العادل فكتب البصري: اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف.. والإمام العادل يا أمير المؤمنين والراعي الشفيق على إبله ، والحازم الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويزودها عن مواقع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنفها من أذى الحر والضرر والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها، حملته كرها، ووضعته كرها، وربته طفلا، تسهر لسهره وتسكن لسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته وتغتم بشكايته.

والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح تصلح الجوارح بصلاحه وتفسد بفساده.. والإمام العادل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد لله ويقودهم، فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد إئتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، فبدد المال وشرد العيال فأفقر أهله وأهلك ماله.

هذه كلمات من إمام الواعظين الحسن البصري إلى أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز الذي اشتهر بالعدل وهو الحاكم الذي تحدث التاريخ الصادق عن عدله وتقواه.. ومنزلة الحاكم العادل عند الناس عظيمة وعند الله أعظم فدعاؤه مستجاب، وهو ظل الله في الأرض، وهو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وسأل عمر بن عبدالعزيز أيضا عدي بن أرطأة عن صفات الحاكم العادل فأجابه «فإذا أمكنتك القدرة على المخلوق فاذكر قدرة الخالق عليك واعلم أن ما لك عند الله مثل ما للرعية عندك

دمت بسمة بألف خير
( الحاكم العادل ظل الله في الأرض )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://sef100@myway.com
بسمة الجزائر
فراتي نشط
فراتي نشط



عدد الرسائل : 970
تاريخ الميلاد : 09/01/1977
العمر : 47
السٌّمعَة : 14

هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!  Empty
مُساهمةموضوع: رد: هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!    هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!  Emptyفبراير 9th 2012, 15:02





تحية طيبة اليكم أحبائي انتم المميزون و أساتذتي الكرام

شكرا لكم على المرور الرائع و الإضافات الجيدة

بسمة الجزائر تحييكم من الجزائر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
هكذا يكون الحاكم .. "هكذا فلتكن العدالة" !!
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» لماذا اصبح حالنا هكذا؟؟
» هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم
» لمن يهمه ان يكون انسانا .. !!
»  عندما يكون الخطأ نعمة
» منتظرا" السكون هيهات أن يكون.!

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
وهج التاريخ :: &&& فراتنــــــــــــــــــــــــــــــــــــا الجميــــــــــــــــــــــــــــــل :: * المنتـــدى الاســــلامي :: منتدى القرآن الكريم-
انتقل الى: