مونديال قطر 2022 حين يصبح الحلم واقع

قبل الثاني من شهر ديسمبر سنة 2010 لم يكن أي عربي يحلم بأن تستضيف دولة عربية ذات يوم حدثاً عالمياً كبيراً بحجم كأس العالم، فرغم أن للعرب محاولات سابقة لتحقيق هذا الشرف، فإن أياً من تلك المحاولات لم تفلح، ولربما تسرب اليأس إلى العرب في إمكانية تحقيق هذا الحلم إلى الأبد، بعد أن باءت بالفشل واحدة من أكثر المحاولات العربية جدية وأقربها إمكانية للتحقق من خلال الملف المغربي الذي طرح مرتين على طاولة الفيفا، وكان قاب قوسين أو أدنى أن ينجح في الثانية، بحكم تعزز فرصه بسبب انحصار المنافسة حينها بين دول أفريقية بحتة.

أما وإن عز على العرب وقتها أن يحققوا حلم استضافة المونديال من خلال الملف المغربي القوي في ذلك الوقت، فإن الجميع أيقنوا بأن لا إمكانية بعد ذلك في نجاح ملف عربي آخر على المدى البعيد، فما بالنا بالمدى القريب، وبات حلم العرب جميعا منحصراً ربما في الأمل بأن يكون تنظيم المونديال من نصيب الدول الأقرب جغرافيا للوطن العربي، علّ ذلك يشكل أكبر فرصة لسكان هذا الوطن الكبير لمشاهدة بعض المباريات من المدرجات.

لكن دولة قطر أبت إلا أن تكون استثناء خاصاً من هذا الواقع الملبد بغيوم التشاؤم، فأصرت على أن تنجح في تحقيق ما عجز عنه الآخرون، حتى وإن كان الأمر يبدو منذ الوهلة الأولى أقرب إلى المستحيل منه إلى الممكن!

فمنذ أن أعلنت قطر دخولها رسمياً في سباق محموم لاستضافة مونديال 2022 مع دول عظمى، ذات مكانة وصيت وتجربة عالية لا تضاهى، كان أكثر المتفائلين العرب يرى أن قطر ستكتفي في الأخير بشرف المحاولة الجادة، وتحقيق سمعة حسنة بعد أن تنجح في خوض منافسة قوية لأسماء كبيرة في هذا العالم، وذلك أقوى ما هو متوقع في نظر الكثيرين، ولم يكن أحد يتوقع أن يصل الأمر بقطر أن تكون اسما صعبا في الأمتار الأخيرة من سباق المنافسة، أحرى أن تحسمها لنفسها وبرقم قياسي، فذلك ما لم يخطر ببال أحد، وما لم يتصور أحد أنه يمكن أن يحدث!

بيد أن للمؤمنين دائما بقدراتهم وكفاءاتهم نصيبا مفروضا من النجاح، ولذلك فإن قطر استطاعت أخيرا أن تنتزع من العالم أجمع اعترافاً واضحاً بطموحها الكبير وقدرتها الدافعة نحو تحقيق ما يراه الآخرون مستحيلاً، فلم تستطع الفيفا بكل ما لها من جبروت، ورغم كل ما للمنافسين من مكانة عالية وشأن كبير، إلا أن تنحني لإرادة وطموح قطر، ليتحقق بذلك حلم كبير يعتبر حقا مشروعا للشعوب العربية بتنظيم أكبر تظاهرة عالمية في بلد عربي لأول مرة.

ولم تكن قطر لتحقق هذا الإنجاز، الذي وصفه مراقبون كثر بأنه أهم حدث تاريخي رياضي يحققه العرب في حياتهم، لولا الإرادة القوية التي تسلح بها الحاملون لهذا الملف والمدافعون عنه، والذين لا يمكن إلا أن نسدي لهم شكرا مستحقاً، مع تقديم تهانينا الحارة، بعد النجاح الكبير الذي كان حليفا لمهمتهم الكبيرة.

ولم يكن هذا النجاح وليد الصدفة أو حدثاً اعتباطياً وإنما جاء ثمرة لجهود كبيرة وعمل جبار بذل من طرف القائمين على هذا المشروع خلال السنتين الماضيتين؛ فما قام به المشرفون على الملف وعلى رأسهم الفارس المغوار الشيخ محمد بن حمد آل ثاني والذي أصبح بطلاً عربياً بامتياز، من جهود مضنية تمثلت في الحملة الإعلامية الناجحة لتسويق الملف، والإدارة الذكية جدا لتسييره في الفترة التي استغرقها ترشيح الملف منذ إعلانه أول مرة كحلم، إلى أن تم نجاحه رسمياً كواقع في الثاني من الشهر الجاري..

تلك الجهود التي شملت التوقيع مع أبرز النجوم الحاليين والسابقين في اللعبة الأكثر شعبية في العالم، حيث كان اختيار سفراء الملف موفقاً وذكياً إلى أبعد الحدود، وهي نقطة، وبلا شك، أعطت الملف دفعاً قوياً نحو النجاح.

كما أنه لا يمكن إغفال المكانة السامقة التي باتت قطر تتبوأها عالمياً بعد نجاح منقطع النظير في إدارة السياسات الخارجية، بدبلوماسية رزينة ذات احترام وتقدير عاليين في كل أرجاء المعمورة، فلا أحد منا ينكر دور قطر البارز في قيادة وساطات عديدة ناجحة لحل خلافات كثيرة في الوطن العربي وخارجه.

كما أنه لا يمكن كذلك إغفال الدور الكبير للإعلام القطري بقيادة شبكة الجزيرة الرائدة عربياً وعالمياً في مجال الإعلام، فهي الشبكة التي أبهرت العالم منذ ميلادها بما تميزت به طرح للرأي والرأي الآخر، وما امتازت به من طرح متزن لقضايا ذات أهمية كبيرة، وهو النجاح الإعلامي الذي قاد أخيرا إلى أن باتت قطر واحدة من أكثر دول العالم شهرة واحتراما بين شعوب الأرض كلها، وخاصة بعد إطلاق قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية، بموازاة النجاحات الباهرة التي حققتها الجزيرة الرياضية من خلال تغطيتها النموذجية لأهم البطولات العالمية، بما فيها بطولة كأس العالم الأخيرة في جنوب أفريقيا.

كلها عوامل تضافرت وتزاحمت لتفرز لنا أخيرا هذا النجاح غير المسبوق لدولة عربية، طالما نظر إليها كثيرون على أنها دولة صغيرة، إلا أنها أثبتت للعالم كله اليوم أنها دولة كبيرة بسياساتها وقادتها وشبابها، وفوق ذلك أثبتت أن صغر المساحة، لا يمكن أن يشكل عائقاً أمام قوة الإرادة، فهنيئا للقطريين جميعا على إحرازهم لهذا السبق في تحقيق حلم شعوب عربية، طالما حلمت بتحقيق نصر؛ أي نصر، بعدما عانت هذه الأمة طويلا من سلسلة الهزائم والانكسارات في كل مجال..

تحية لقطر وأميرها وشعبها، ونسأل الله لهم التوفيق والسداد في حسن الإعداد لتنظيم المونديال بعد أقل من اثنتي عشرة سنة إن شاء الله.

شكرا لك على إلتقاط الصور و التوضيح

تحية لقطر وأميرها وشعبها، ونسأل الله لهم التوفيق والسداد في حسن الإعداد لتنظيم المونديال بعد أقل من اثنتي عشرة سنة إن شاء الله.

شكرا لك على مرورك الكريم

دمتي بخير

» ويصبح الحلم......حقيقة