موسوعة علمية متنقلة ... محمد سعيد المفتي

موسوعة علمية متنقلة ... محمد سعيد المفتي


شخصية فراتية جديدة برزت في علم النحو التي خدمت اللغة العربية وقدمت النصائح والارشادات لطلبة تلك الايام الذين اصبحوا فيما بعد من خيرة اساتذة الآداب ومدرسي اللغة العربية في المدارس الثانوية ،إنه الاستاذ الكبير محمد سعيد المفتي الذي فقد البصر في صباه ، والمفتي الذي نبغ في مجال النحو لم يقرأ الموسوعات لان صفاء الفكر في منطقة الفرات له سمة خاصة .

ولد في عام 1905 لاب كان رئيساً لشرطة مدينة دير الزور وكانت البلاد ترزح للحكم العثماني الذي مر على دير الزور بالفقر والاهمال وجعلها منفى للمغضوب عليهم في مركز الخلافة في دمشق وكان والده رغم تلك الوظيفة المحترمة متوسط الحال متواضع الهيئة وشاء الله لهذا الوليد ان يفقد بصره عام 1918أثر رمد دام فترة لا بأس بها ، والثورة العربية تستقر في الحجاز لطرد الاتراك ، والحرب العالمية الاولى تحط أوزارها الثقيلة فلا مال ولا دواء ، ولا واسطة نقل بين بلد وآخر ولا نجد أمناً للمواطن ولا استقراراً . فاضطر والده التقديم استقالة من تلك الوظيفة ثم باع اثاث بيته كله واستأجر عربة لتنقله مع طفله الى حلب حيث ذكروا له فيها طبيباً حاذقاً في طب العيون . وفي الطريق اعترضهم اللصوص فسلبوهم كل ما يملكون فعاد الأب مع ولده صفر اليدين خائباً ، وما كاد يصل دير الزور حتى قبض عليه الانكليز واعتقلوه زاعمين انه استقال من وظيفته ، وباع اثاث بيته ليتلحق بالشريف حسين في الحجاز .‏

أما دراسته المفتي فقد دخل المدرسة الابتدائية الاميرية وكان الاول على سائر رفاقه ، و لكنه بعد ان فقد البصر اصبح من المستحيل ان يكمل دراسة فاقتاده ابوه الشيخ حسين الرمضان و لكنه رفض ان يقبله فعاد به الى البيت واخذ يلقنه بعض العلوم ، فشاهد ابوه نبوغه و قوة ذاكرته فعاد به الى الشيخ رمضان الذي كان يلقي دروسه في جامع الراوي ففي اول جلسة - و كان الدرس في علم الفرائض استطاع الطفل ان يضي مزاج الشيخ و يظهر له من الذكاء ما جعل الشيخ يترك الدرس و يضمه الى صدره معتذراً عن طرده له سابقاً ، و ان يقدم له الشيخ عبد الله اوطار مجموعة من الكتب هدية له تقديراً لهذا الذكاء المفط ، راح الفتى يتردد على الشيخ حسين الرمضان و الشيخ جعفر الرحبي و ملا نهر و يأخذ عن هؤلاء الثلاثة علوم ذلك العصر حيث نال الاجازة العلمية من هؤلاء فمنحوها له لنؤهله التدريس في المحافظة فيما بعد ،و استطاع ان يؤخذ عن هؤلاء الكثير حتى حفظ القرآن الكريم اثناء جلوسه في المسجد و حفظ كذللك متن الزبد لابن رسلان و الفتى ابن مالك في النحو و كان يسمع القصيدة مرة واحدة فيحفظها ، و كان اذا سئل عن مسألة و كثيراً ما تكون في النحو اجاب سائله :‏

انظر اليها في شرح ابن عقيل جزء كذا صفحة كذا ، اما حينما يأتيه شخص يسأله عن مسألة فيها خلاف فيقول له : لقد اختلفتم من المسألة الفلانية في الكتاب الفلاني باب كذا فصل كذا .‏

و حسب ما تم ذكره فلا يوجد اي مؤلف للمفتي و كان يعتمد اسلوب السرد حيث املى على نجله عبد الجبار وعلى عياش بن بشير العياش كتاباً في البلاغة يقع في نحو 400 صفحة كما املى على الاستاذ حسن حسني كتاباً في شرح الشواهد النحوية في مغني اللبيب و استفاد نجله عبدالجبار من هذه الشروح كثيراً و ضمنها في كتابه شرح المهمات من شواهد اللغة العربية و انجز منها اربعة اجزاء ، و للمفتي شعر جيد بن اوراقه الخاصة و كان يتلف اوراق ما ينظمه يكره ان يقال عنه انه نظم شعراً ما نظمه حول الاخلاق و الوعظ و الادب يقول في احدى قصائده :

اذا جاد اللسان بحسن وعد‏

فلاتك واثقاً بالترهات‏

و من يركن الى الاوهام يلقى‏

سراباً بالفيافي المقفرات‏

فكم ايقنت مغتراً بجمع‏

اضاعوني و لم يرعوا حياتي‏

و لم يعين المفتي في التدريس إلا بعد رحيل المستعمر فرفض ان يأخذ قرشاً واحداً من السلطة الفرنسية ، و في عام 1947 قبض اول مرتب من تدريسه في المحافظة‏

في عام 1960 اصيب الاستاذ محمد سعيد المفتي بالمرض فأقعده الارض و الزمه الفراش
و توفي يوم الجمعة 19 تموز‏ عام 1968 الموافق 32 ربيع الآخر 1388 هجري وصلي عليه في جامع الراوي و دفن في دير الزور‏

منقول

العزيزة الغالية بسمة :

ماأروع أن أجد حروفك الجميلة تضيئ صفحات فراتنا
وأن تبدي هذا الأهتمام ..... بشخصيات ولدت من رحم الفرات

الشيخ رحمة الله عليه .... هو عم الوالدة رحمة الله عليها
وقد رزقه الله أبناء ساروا على نهجه .... وقد حملوا رسالته بكل أمانة

أكبرهم الشيخ الجليل عبد الجبار المفتي ..... وأن شاء الله سأتمكن من
سرد سيرته الشخصية ... توفي منذ عام وقد صلي عليه ودفن في مسجد الشيخ
محمد سعيد المفتي

شكراً لك بسمة