كنت أظن أن نيرون هو أكثر الحكام جنونا لكن التاريخ ملىء بصفحات من الظلم والجنونهذه قصة امبراطور استطاع أن يحكم روما منذ حوالى ألفى سنة وبالتحديد فى السنوات
الأربعة الممتدة من سنة 37 ميلادية إلى سنة 41 وكانت روما فى تلك الفترة تحكم أوربا
كلها كما كانت تحكم المنطقة التى نسميها الآن بالشرق الأوسط
وجاء هذا الامبراطور إلى السلطة لأنه من سلالة حكام الرومان المعروفيين مثل أنطونيو
وأكتافيوس وقد نشأ فى صباه بين جنود الامبراطورية الرومانية وعاش حياتهم وأطلق
عليه الجنود اسم ( كاليجولا ) وهى كلمة معناه الحذاء الصغير فقد كان الجنود يلبسون حذاء
نصفيا أشبه بالصندل وكان ( كاليوجولا) يلبس هذا الحذاء فأطلق عليه الجنود هذا
الاسم من باب التدليل واشتهر بهذا الاسم واتفى اسمه الأصلى وهو ( جايوس ) وقد تولى
السلطة وأصبح الامبارطور وهو فى الخامسة والعشرين من عمره واستمر فى الحكم
أربع سنوات ملأها بالدم والتحكم غير المحدود فى رقاب الناس
بدأ ( كاليجولا) حكمه بأسلوب فتن المواطنيين واجتذبهم إليه فتوسع فى ممارسة
الديمقراطية وأعطى سلطات كبيرة لمجلس الشيوخ وأفرج عن المسجونيين وأعاد المنفيين
إلى بلادهم وخفف الضرائب ووزع على الناس أموال طائلة وكان يحب التمثيل فأغدق
المكآفأت على الممثلين وظن الناس أنهم سيعيشون حياة سعيدة رائعه
لكن هذه الأوضاع السعيدة الرائعه لم تستمر أكثر من ثلاثة شهور فى بداية حكم ( كاليجولا )
ثم انقلب الحال ليرى الناس الامبراطور الذى يحكمهم فى حقيقته وحش مريض بأعصابه
متعطش للدماء شديد القسوة وأن هذا الامبراطور حاكم مجنون لا يقف فى طريقه قانون أو
التزام أخلاقى من أى نوع
لقد اكتشف هذا الامبراطور فى الشهور الاولى من حكمه أن كلمته مسموعه ومطاعة
وتسلل سم السلطة المطلقة الى عقله وأعصابه فبدأ يتصرف تحت تأثير هذا السم
وأصبحت كل قراراته صادره عن احساسه الجنونى بأنه يملك الدنيا وما فيها وتوالت
تصرفاته المجنونة المثيرة للفزعفقد أرغم أعضاء مجلس الشيوخ على تقبيل قدميه بعد ان كان قد أوهمهم أنه سوف يعطيهم
سلطة واسعه لمناقشة أمور الدولة واتخاذ القرارات المناسبة لكن سرعان ماسلب كل حق
لهم وفرض عليهم تنفيذ قرارته
وجعلهم أشبه بالعبيد فى طاعته والاستماع اليه مع تقبيل أقدامه كلما التقوا به
على أن يشكروه لأنه سمح لهم بأن يقبلوا هذه الأقدام الكريمة !!!
أما سلوكه بالنسبة للنساء فقد كان بالغ الغرابة فقد أمر بتطليق أخته درازيللا ليتزوجها
هو ثم ماتت هذه الأخت وحزن عليها لكن حزنه لم يمنعه من أن يأمر بتطليق زوجات كثيرات
من أزواجهن ليصبحن أزواجاً له أو عشيقات .. وذات مره حضر زفاف إحدى النساء
الشهيرات فى روما وفى ليلة الزفاف أعجبته العروس فأخذها إلى قصره وتزوج منها أو
بالأحرى عاش معها حياة الأزواج
وازدادت الأمور غرابة يوماً بعد يوم كان لايستحم بالماء مثل سائرالناس بل كان يستحم
بالعطور . وكان مسرف الى الحد الذى أدى إلى إفلاس خزينة الدولة تماماً ومن اسرافه
أنه أقام وليمة من ولائمه تكلفت مايساوى مليونين من الدولارات بمقاييس هذا العصر
وكان يحب أن يقف فى شرفة قصره ويلقى بالنقود الذهبية والفضية علىالناس
ويستمتع بمنظر الناس وهم يتزاحمون حد القتال على التقاط النقود
ومن أعمال هذا الامبراطور
أنه قرر يوماً أن يقدم جميع ( الصلع ) من المساجين طعاماً للوحوش
التى كان يربيها ليستمتع بألعباها المختلفة وبذلك أقام هذا الامبراطور أول سيرك
دموى فى التاريخ لأنه لم يكن يقوم باعدام الصلع قبل تقديمهم للوحوش بل كان قراره هو
تقديم هؤلاء المساكين أحياء للوحوش حتى تقوم بقتلهم وأكلهم فى نفس الوقت
والغريب أنه كان هو نفسه أصلع !!
وعندما كان يحتاج إلى مزيد من الأموال كان يختار عددا من الأغنياء ويتهمهم
جزافا بالخيانة ويعدمهم ويستولى على اموالهم وكان يقرر ذلك وينفذه بلا محاكمة
ولا دفاع ولامقدمات من أى نوع
ووصل جنونه قمته عندما اختار حصانه المفضل ( انستاتس ) ليجعل منه عضواً
فى مجلس الشيوخ ثم اختاره بعد ذلك ليكون وليا للعهد ووارثا لعرش الامبراطورية
وأصيب بالأرق وكان يجرى طوال الليل فى أروقة القصر يصرخ وينتظر شروق الشمس
وانتهى به الأمر إلى تأليه نفسه وطلب من الناس عبادته وفرض الضرائب على كل شيىء
حتى على بنات الليل وتظل هذه الضريبة قائمة حتى وان تزوجت وتابت وابتعدت عن هذه
المهنة الرخيصة فهى ملتزمة بالضريبة مدى الحياة
وكان احساسه بأن سلطته مطلقة ونهائية يدفعه الى تطبيق قوانين من وحى خياله وجنونه
وكان يذكر لضيوفه فى ولائمه أنه يستطيع ان يقتلهم جميعا وهم متكئون على مقاعدهم !!
انتهى أمر هذا الطاغية إلى أن يموت مقتولاً على يد احد ضباط حرسه المقربين منه
واسمه ( كاسيوس ) فقد قام هذا الضابط بقتل ( كاليجولا) انتقاما منه وخلاصا من أحكامه
المجنونة وتسلطه على الناس